ظاهرة الفقر والبطالة

بسم الله الرحمن الرحيم
ظاهرة الفقر والبطالة واثرهما في المجتمع
الحمد لله حمدا يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه وله تعالى الشكر شكرا يوازي نعمه علينا وأعظمها نعمة الهداية والتوفيق للايمان وصلى الله تعالى على رسوله وخير خلقه من عباده محمد وعلى آل بيته الطاهرين وصحابته المنتجبين ومن والاه ودعا بدعوته الى قيام يوم الدين وعلى جميع انبياء الله ورسله وعباده الصالحين ، السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى اولاد الحسين وعلى اصحاب الحسين .
أن التطورات التي تطرأ على المشهد العراقي متسارعة ومضطردة وتتقارب مراحلها الزمنية وتتداخل احداثها وانعكاساتها ولكل مرحلة من مراحلها استحقاقاتها واولياتها ، ولعل آخر الاحداث وأكثرها أهمية هو انسحاب القوات الاميركية من العراق والذي سيتم تحقق آخر فقراته في غضون الاسبوع الحالي وبذلك سيشهد العراق مرحلة مهمة من مراحل تاريخه السياسي هي مفصل حيوي سيبقى شاخصا وحاضرا في ذاكرة التاريخ والوطن.
كما أن الارهاصات التي ترافق تلك المرحلة المهمة لاتقل أهمية وحيوية عنها فنحن نتحسس توترا يشوب الاجواء السياسية ويؤثر على الفاعلية الوطنية بحسب شدته واتجاهه ، أذ أن انعدام الثقة ، والقلق من سوء الادارة ، والتدخلات الخارجية مع ما تشهده المنطقة العربية والاقليم المتاخم للعراق من ربيع عربي غير مسبوق تنتفض فيه الشعوب لفرض ارادة التغيير وامتلاك زمام ارادتها ، كل ذلك يشكل في العراق بيئة لصراع الارادات السياسية في سياق عملية تأسيس وتشكيل هيكلية الدولة العراقية الجديدة.
أننا نرى أن الركن الاهم والذي يمكن أن يشكل خيط النظم الذي يجمع هذا النثار من المشاكل والمعوقات وينظمه في سلسلة الحل هو الركن الاقتصادي.
أن ما تشهده الساحة السياسية العراقية في الوقت الحاضر ويدعمه بين حين وآخر حراك شعبي هي جملة من الاشكاليات التي تتعلق بتوفير الخدمات الاساسية ، ومأسسة تشكيلات السلطة التنفيذية واخراجها من خانة الحزبية والفئوية ، ومراعاة حقوق الانسان لاسيما فيما يتعلق بالجانب الامني وضرورة تفعيل الشراكة الوطنية ومانجم عن تلك الاشكاليات من اقتراحات للحل عبر تشكيل الاقاليم وغيرها ما هي الا أمواج تتلاطم على ضفاف العملية السياسية الناشئة وتهدد بانهيارها أقول أن كل ماذكرناه هو نتيجة طبيعية وحتمية للمقدمات التي اشارت اليها الاحصاءات من تزايد في معدلات البطالة وبلوغ نسبة الفقر مايقارب 23% حسب اعلان بعثة الامم المتحدة في الشهر الماضي ، في بلد يوظف أكثر من أجمالي ناتجه الوطني في موازنته السنوية.
كما ان ارتفاع معدلات التضخم بوتيرة متصاعدة يضرب على يد المواطنين في أحتياجاتهم الاساسية من سلع وخدمات كالغذاء والسكن وغيرها ، ولايظهر في الافق حل قريب لتلك المعاضل المهمة.
كما لاحظنا ومن خلال تحليل بيانات وزارة التخطيط أن الفترات التي نجحت فيها السلطة التنفيذية في توفير المشتقات النفطية للمستهلك المحلي شهدت انخفاضا ملحوظا في معدلات التضخم مما يؤشر الى ارتباط الظرف والأستقرار السياسي والامني بالعملية الاقتصادية.  
أن ادعاء اي شخصية (اعتبارية كانت او واقعية) بأن لديها الحل الامثل لمشاكل العراق الاقتصادية أو بأنها قادرة على وضع ستراتيجية وطنية نتبين فيها الملامح العامة لسياسة أقتصادية يبقى رأيا (خاصا أو متخصصا) ولكنه لن يرقى الى مستوى التخطيط الستراتيجي فقرار السياسات الوطنية العليا مرهون بمحورين اساسيين:
الاول: أعداد دراسات تفصيلية متخصصة تجريها شركات رصينة ذات خيرة طويلة في مجال الدراسة وتحليل المعلومات بمشاركة وزارة التخطيط وخبراء متخصصون من بقية الوزارات والمؤسسات لدراسة وتحليل الواقع الاقتصادي العراقي ووضع الاستنتاجات ومسالك الحل.
الثاني : قرار وطني بتبني أحد المسالك واعتماده سياسة اقتصادية وطنية وهذا القرار يكون باجماع القوى الوطنية العراقية ممثلة بمجلس النواب العراقي.
ومع ان الطريق يبدو بعيدا ووعرا بعض الشئ الا أن ذلك لايمنعنا من استغلال الوقت المتاح حاليا للعمل على توفير البيئة الصالحة لأعتماد السياسة الاقتصادية وفي رأينا المتواضع فأن ذلك متاح وميسور مع وجود جو المناكفة والشد السياسيين ويمكننا ان نقترح في هذا الصدد جملة من المقترحات يمكن اعتمادها كتوصيات في هذا المحفل المبارك:
1. العمل على بناء الانسان بناءا تربويا وثقافيا من خلال اعطاء الاولوية لقطاع التربية والتعليم والذي يستهدف شريحة واسعة ومهمة من شرائح العراق هي شريحة النشئ الجديد ، وضرورة تعاون الدولة مع المرجعيات الدينية في هذا الجانب لأن هذه المرجعيات تستهدف بالبناء جميع الشرائح الاجتماعية ، ان برامج التربية والتعليم والتثقيف يجب ان تتمحور على فكرة الولاء للوطن وتعزيز روح المواطنة الصالحة والمبادرة للخدمة الاجتماعية ، كما أن تطوير ورعاية قطاع التربية والتعليم يقتضي انجاز حزمة من الاصلاحات الادارية والتشريعات وتعليمات تنفيذها ، ورعاية عناصرها.
2. ضرورة تنظيم عمل مؤسسات المجتمع المدني واعطائها الدور في هذه العملية ، كونها تعمل على بناء وتطوير الانسان من جهة وتوفر المساعدة المادية والمعنوية والدعم والرعاية لشرائح واسعة ومختلفة من المجتمع يشكل اهمالها تعكيرا للبيئة الصالحة للاقتصاد السليم من جهة أخرى ، أن منظمات المجتمع المدني حاليا أما قاصرة أو مقصرة في النهوض بواجباتها على الوجه الاكمل ومن الواجب البحث عن اسباب هذا التقصير ومعالجتها والا سيكون وجود هذه المنظمات جزءا من المشكلة بدل ان يكون جزءا من الحل.
3. العمل على معالجة بعض الجوانب التي لايمكن تأجيلها في العملية الاقتصادية كتوفير فرص العمل لاحتواء البطالة المتزايدة في العراق من خلال الاستفادة من عمل الشركات الاجنبية التي يتم التعاقد معها لتنفيذ المشاريع الخدمية والبنى التحتية وتهيئة الاجواء لمزيد من فرص العمل لهذه الشركات التي بدأت تحجم عن العمل بسبب تعرضها للابتزاز او وقوعها تحت طائلة الفساد الاداري والمالي ، كما ينبغي تطوير برامج النزاهة وزيادة الشفافية وزيادة فاعليتها للحد من تلك الظواهر.
4. العمل على تنشيط القطاعات الانتاجية الاخرى غير القطاع النفطي ، فهذه القطاعات وان كانت قليلة الجدوى حاليا الا أن ايلاءها الاهتمام الكافي كفيل بأن يفسح أمامها المجال للتوسع والتطور ومن هذه القطاعات قطاع السياحة بمختلف انواعها والزراعة والصناعات الوطنية التي يمكن توسيعها بضم بعض صناعات الطاقة المحدودة اليها.
أن النقاط التي ذكرناها آنفا هي منهاج عمل لمرحلة مهمة يجب انجازها من مراحل التعافي الاقتصادي لاعتماد سياسة وطنية رصينة تنهض بهذا الركن الحيوي من اركان بناء الدولة الحديثة ، آملين مساهمة الجميع في حوار جامع من أجل تلاقح الافكار وتكاملها خدمة للعراق العزيز.
وختاما اسمحوا لي ان اعبر عن الاعتزاز الكبير بمناسبة انجاز الاستقلال وتحقيق السيادة الوطنية ، الرحمة والرضوان لشهداء العراق وفي مقدمتهم قادة الامة وسادتها مراجع الدين الكرام (قدس الله اسرارهم) الذين استلهموا همة الحسين واهل بيته (ع) وقدموا الارواح الغالية ثمنا لحرية الانسان وانعتاق ارادته.
السلام على الحسين ابي الاحرار وعلى اهل بيته واصحابه والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.